تاريخ النشر: أكتوبر 2000
المؤلف: د. نهى الخطيب
لقد كان للتقدم الصناعى والتكنولوجى الذى حدث نتيجة الثورة الصناعية أثر كبير فى إحداث مشكلات بيئية خطيرة ، الأمر الذى أدى إلى إحداث ضغوط هائلة على الموارد الطبيعية خاصة تلك الموارد غير المتجددة ، ومن ثم اختلال توازن النظام البيئى .
ومع تزايد حجم المشكلات البيئية تطور اهتمام الفكر الإنسانى بالبيئة إلى الحد الذى أدى إلى ظهور وعى بيئى لدى حكومات ومواطنى الدول المتقدمة منذ أواخر الستينات ، حيث تم إنشاء العديد من المؤسسات والمعاهد العلمية لدراسة مختلف الموضوعات البيئية ، وتكونت الأحزاب السياسية ( التى سميت بالأحزاب الخضراء ) التى جعلت من أهم أهدافها حماية وصيانة البيئة للإنسان ، وتمتعت بنفوذ سياسى قوى فى هذا الصدد .
وقد انعكست الاهتمامات العالمية بالبيئة على منظمة هيئة الأمم المتحدة التى عقدت أول وأهم مؤتمر عالمى للبيئة فى مدينة استوكهولم بالسويد عام 1972 ، لبحث العديد من الموضوعات التى تتعلق بالبيئة . وفى هذا المؤتمر قدمت العديد من دول العالم الصناعية تقارير عن أوضاع البيئة لديهم ، بالإضافة إلى برامج مقترحة فى الحفاظ على البيئة ، فى حين أن الدول النامية لم تشارك فى هذا المؤتمر لاعتقادها فى ذلك الوقت بأن خطط حماية البيئة التى أعلنت عنها الدول المتقدمة سوف تؤدى إلى تعطيل نمو الصناعات فى هذه الدول ، وأن مشاكل البيئة ما هى إلا قضايا ثانوية وهامشية ، حيث كانت تمثل التنمية الصناعية بالنسبة لهذه الدول تحدياً حقيقياً للخلاص من أسر التبعية الاقتصادية ، واستغلال العالم المتقدم لموارد تلك الدول ، وهى بذلك لم تضع فى اعتبارها الآثار السلبية المستقبلية للاهتمام الصناعى المتزايد ، وبالتالى لم تتخذ فى البداية أية أساليب تكنولوجية مهما كانت بساطتها للحد من التلوث بمختلف أنواعه .
وقد تلى مؤتمر استوكهولم العديد من المؤتمرات العالمية مثل مؤتمر بلجراد ، وتبليس ، والتى ركزت على ضرورة انقاذ البيئة من جميع أشكال التلوث ، وحماية الموارد الطبيعية للأجيال القادمة .
وبناء على ذلك بدأ الفكر البيئى يتجه من التركيز على التلوث البيئى بمختلف أنواعه وكيفية مواجهته والوقاية منه ، إلى الاهتمام باستغلال مصادر الثروة الطبيعية المتجددة وغير المتجددة ، وكيفية حمايتها وصيانتها ، ودور الإنسان ( المورد البشرى ) كهدف من أهداف التنمية فى تلك العملية التنموية الشاملة والمتكاملة .
ونظراً لتنوع وتشابك المشكلات البيئية المعاصرة من حيث أسبابها ونتائجها ، فقد تزايدت الأهمية العلمية والتطبيقية لعلوم البيئة والتخطيط البيئى ، حيث تعد الدراسات البيئية والفهم المضطرد للوسط البيئى الطبيعى والحضارى من أبرز التطورات العلمية التى ظهرت فى السبعينات من القرن العشرين .
ويتمثل دور العلوم البيئية فى تشخيص المشكلات البيئية ، وتحديد عواملها طبيعية كانت أم حضارية ، واختيار وسائل معالجتها ، والتصدى لأخطارها ، نظراً لكونها علوم متداخلة تتخطى الحدود التقليدية التى تفصل بين العلوم الطبيعية والإنسانية والتطبيقية بفروعها التقليدية كالعلوم الكيميائية ، والجيولوجية ، والجغرافية ، والاقتصادية ، والهندسية ، والطبية … الخ ، بحيث تسد الفجوات بين تلك العلوم ، وتكون حلقة الوصل بينها .
ومن منطلق ارتباط الفكر البيئى العالمى بعملية التنمية ، حيث يربط الاتجاه العالمى عملية التلوث واستنزاف الموارد واختلال التوازن البيئى بعمليات الإنتاج فى الدولة ككل ، وذلك من خلال التشابكات بين المجتمع البشرى فى سعيه الدؤوب لإشباع احتياجاته ، وبين عناصر بيئته.
فمن هذا المنطلق فقد برزت الحاجة إلى استحداث فرع جديد من العلوم الاقتصادية ليندرج تحت قائمة العلوم البيئية وهو " علم اقتصاديات البيئة " ، والذى يلعب دوراً محورياً فى تحديد المسارات المختلفة للإدارة الرشيدة للموارد ، والقدرات الطبيعية ، بالشكل الذى يضمن استدامة التنمية . وبهذا الشكل يصبح هذا الفرع الجديد من العلوم الاقتصادية الأداة الرئيسية لإدماج الاعتبارات البيئية فى عمليات صنع القرارات الخاصة بالتنمية فى شتى المجالات .
وفى هذا الصدد ، تلعب الجامعات دوراً قيادياً فى مجال تدريس العلوم البيئية ، والقيام بالبحوث المتقدمة لتهيئة الكوادر العلمية القادرة على دراسة جوانب البيئة الطبيعية والحضارية ، والمشكلات الناجمة عن التفاعل غير المخطط ، تمهيداً لإيجاد الطرائق والحلول المناسبة لتجنب هذه المشكلات ، وذلك من خلال تطبيق أساليب التخطيط الإقليمى والحضرى والبيئى معاً .
ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب حيث يساعد القارئ على تنمية مفاهيمه البيئية ، وإكسابه القدرات العقلية والعملية لمواجهة أخطارها متى أمكن ذلك ، حيث يحاول هذا الكتاب الربط بين الدراسات الاقتصادية والدراسات البيئية ، وتطويع أدوات التحليل لكل منهما لكى تخدم التخصص الآخر ، فى سبيل تحليل ودراسة المشكلات البيئية ليس من منظور بيئى أو اقتصادى كل على حدة ، ولكن من خلال منظور يتسع ليشمل الأبعاد البيئية والاعتبارات الاقتصادية .
ومن هنا اشتمل الكتاب على أربعة فصول :
تناول الفصل الأول المشكلة الاقتصادية من حيث أسبابها وعناصرها ، وماهية الموارد وتقسيماتها ، مع إعطاء أهمية خاصة للموارد الطبيعية غير المتجددة ، وأهم العوامل التى تسهم فى الحد من مشكلة الندرة النسبية لهذه الموارد .
أما المفهوم المنظومى للبيئة وتوازنها ، فقد اشتمل عليها الفصل الثانى حيث تم شرح المنظومة البيئية لكوكب الأرض ، ومفهوم توازن البيئة ، وأوجه العدوان عليها والتى تمثلت فى استنزاف الموارد الطبيعية ، والتلوث ، واختلال التوازن البيئى .
وقد حاول الفصل الثالث الربط بين الدراسات الاقتصادية والدراسات البيئية من خلال توضيح أن حماية البيئة مشكلة اقتصادية، مع عرض لتطور الفكر الاقتصادى فى الاهتمام بالبيئة ، ومبررات ظهور علم اقتصاديات البيئة كوسيلة تصل ما بين الأساليب التقليدية لاتخاذ القرارات الخاصة بالتنمية ، وبين ضرورات الحفاظ على البيئة .
أما الفصل الرابع والأخير فقد تناول العلاقة بين التنمية والبيئة والجدل القائم حول هذه العلاقة ، ومحاولة حسم هذا الجدل من خلال شرح لنظرية حدود النمو ( النموذج المتشائم ) ، والأسس التى بنيت عليها ، وأسباب انهيارها ، إلى أن حسمت نظرية التنمية المتواصلة (النموذج المتفائل) هذا الجدل ، وهى التنمية التى تأخذ فى اعتبارها الأبعاد البيئية بما يلبى حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال القادمة فى تلبية حاجاتهم .