د. أمين ساعاتي
نستطيع القول إن تأثير الأزمة المالية العالمية في المجتمع السعودي يختلف من شريحة إلى أخرى ، فمثلاً، إن تأثير الأزمة في رجال الأعمال الذين ذهبوا إلى مكامن الأزمة العالمية في الولايات المتحدة وفى أوروبا واليابان.. لا شك أنه كبير جدا.
بمعنى أن تأثير الأزمة على رجال المال والأعمال السعوديين الذين يدخرون أو يستثمرون حصة كبيرة من رساميلهم في الأسواق الغربية، وبالذات مع البنوك والمصارف التي هوت وشركات التأمين التي تقوضت حتماً سيكون كبيراً، بل نستطيع القول إن جزءاً كبيراً من ثرواتهم قد ذهب مع أدراج الرياح.
أما بالنسبة للشريحة الوسطى في المجتمع السعودي، وبالذات الفئة التي توظف أموالها في الأسواق المحلية وتتعامل مع سوق الأسهم السعودية أو الخليجية، ثم تتجول في أسواق العقار هنا أو هناك، فإن هذه الفئة لم تلحقها أضرار كبيرة.
وما يهمنا مناقشته في هذا المقال هو الاقتراب من حجم الخسائر والأضرار التي لحقت بالطبقة الدنيا أو الأضرار التي لحقت بمحدودي الدخل من السعوديين الذين لا يتعاملون مع الأسواق الغربية، ولكن قبل مناقشة هذه النقطة أود أن أشيد بقوة بالقرار الحكيم الذي أعلنته حكومتنا الرشيدة منذ أن انفجرت الأزمة المالية العالمية وأمنت على ودائع المودعين في البنوك المحلية، وكان هذا القرار في وقته من أهم القرارات التي أدت إلى استقرار السوق السعودية، وطالما دخلت الودائع في حيز الأمان ، فإن ممتلكات المواطن السعودي تدخل في أمن وأمان الدولة.
ونستطيع القول إن تأثير الأزمة ـ حتى الآن ـ في الشريحة الدنيا من المجتمع السعودي بسيط، حيث جاء بعضها إفرازاً اعتباطيا من خلال ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات، كذلك يمكن أن نرى الأزمة على هذه الفئة من خلال مرابحاتهم في سوق الأسهم المحلىة، ولكن القضية الأهم بالنسبة لهذه الفئة هو أن تمويل مشاريعها المستقبلية، وبالذات بالنسبة لمشاريع بناء المساكن سوف يضار كثيراً.
والسبب هو أن البنوك بدأت تتخذ سياسات متحفظة إزاء قروض بناء المساكن لمحدودي الدخل، حيث إن العقدة لدى البنوك المحلية هي أن أسباب الأزمة العالمية في أمريكا وأوروبا بدأت من أزمة الرهن العقاري التي بدأت بقضية إفلاس بنك ليمان الأمريكي، فهبت الحكومة الأمريكية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مؤسساتها المالية، ولكن بسرعة انتشار النار في الهشيم امتدت الأزمة المالية إلى معظم دول العالم من بريطانيا غرباً إلى اليابان شرقاً، ولأول مرة في التاريخ تدعم جهود الإنقاذ بهذا العدد من التريليونات من الدولارات التي تكفي أرقامها لنشر الذعر والهلع في كل أسواق العالم.
أقول مع كل الذي نحذر منه فإن تأثير الأزمة في محدودي الدخل في السعودية مازال بسيطاً لسببين رئيسيين، الأول إن الحكومة ضمنت ودائع المواطنين في البنوك المحلية.
وثانياً: إن الأزمة لم تطل بعد الشركات والمصارف المحلية، ومازالت الشركات والمؤسسات السعودية بعيدة نسبياً عن نيران الأزمة، ولكن هذا لا يعنى أنها بعيدة إلى ما لا نهاية، وما نستطيع قوله هو أنه بقدر نجاح العالم في إبعاد شبح الكساد العالمي بقدر ما تكون الشركات السعودية بعيدة عن الأزمة.
أما ـ لا سمح الله ـ إذا تفاقم الكساد العالمي وانتشر كما ينتشر السرطان في الجسم وتوقفت آلة الحضارة الغربية، أي توقف العالم الصناعي عن استهلاك النفط، فإن إيرادات النفط ستتأثر وسوف تنخفض إيرادات الدولة، وعندئذ سيدق ناقوس الكساد العالمي أبواب الشركات والمصانع التي يعمل فيها السعوديون مما يضطر هذه الشركات إلى تصفية وتسريح بعض الموظفين.
ولا شك أن تفنيش الموظف يعني فقدانه مصدر رزقه، وإذا فقد الإنسان المصدر الرئيس لرزقه، فإنه يعيش المأساة بكل مخاطرها.
ولذلك فإن السياسيين قبل الاقتصاديين يخشون من بعبع البطالة ويقولون إنها قنبلة موقوتة، ويسعون بقوة للحيلولة دون ارتفاع معدلات البطالة حتى لا يدخل الاقتصاد قلب مشكلة الكساد الاقتصادي الذي تحذر منه باستمرار المنظمات المالية والاقتصادية الدولية، وتطالب الدول الكبرى بضرورة انتهاج سياسات عاجلة وحاسمة تبعد الاقتصاد الدولي من شبح الكساد المخيف، والكل يعرف أن الاقتصاد الدولي إذا وصل إلى أطراف الكساد المخيف..
يعني إقبال الشركات الكبرى على تسريح المزيد من عمالتها، وبالتالي زيادة رقعة البطالة في العالم، وزيادة رقعة البطالة تؤدي إلى زيادة الكساد حتى تتوقف الأسواق من العمل مما ينذر بتوقف الشركات عن دفع رواتب موظفيها، والخطر الأفحل هو وصول الحال إلى انخفاض ملحوظ في الطلب على النفط.
طبعاً لا يبدو في الأفق أن تصل الأزمة إلى هذا الحد لأن الدول العظمى تعرف تماماً أن الكارثة إذا استفحلت، فإنها ستذهب بالكبير قبل الصغير، ولذلك فإن الدول الكبرى صاحبة الاقتصادات الكبيرة والثروات الكبيرة..
تخاف على ثرواتها من الضياع أكثر من الدول الصغرى، ولهذا فإنها تعمل بحرص مع مجموعة السبع، وتعمل بجد مع مجموعة العشرين، وستعمل بكل جهد وجهيد مع مجموعة الخمسين والمليون حتى تحمي ثرواتها من غول الكساد والضياع.
النصيحة التي يمكن أن نهديها إلى محدودي الدخل في ظل الأزمة المالية العالمية التي ـ حتى الآن ـ لم تتضح بوادر الخروج منها وما زالت رهن المحاولات والمعالجات..
هي أن يحفظوا مدخراتهم في شكل ودائع سائلة لدى البنوك عالية الثقة، لأن الأزمة ـ كما هو واضح ـ هي أزمة سيولة في المقام الأول، ولأن الحكومة الرشيدة اتخذت الخطوة المهمة وضمنت ودائع المودعين لدى البنوك المحلية، بمعنى أن أموال المودعين لن يمسها أي سوء أو مكروه.
*نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية.
عدد المساهمات
العمر
